نقول فى التسبحة:
هو أخذ الذى لنا .. و أعطانا الذى له
نسبحه و بمجده .. و نزيده علـــــوا
و هى أرباع بسيطة فى كلماتها، عميقة جداً فى معناها. و ليتنا نتأمل فيها معاً و نحن على مشارف عيد الميلاد المجيد.
أولاً: أخذ الذى لنا
المتأمل فى هذه العبارة يجد أن الله أخذ الذى لنا فى أشياء كثيرة. فهو أخذ الجسد الذى لنا، و الأوجاع التى لنا، و الآلام التى لنا، حتى الخطيئة - و هو الذى ليس فيه خطية - أخذ الخطية التى لنا و رفع نفسه ذبيحه و محرقة عنا ليغفر لنا خطايانا و ينعم علينا بالخلاص.
+ أخذ الجسد الذى لنا
هذه معجزة رهيبة فى حد ذاتها أن يظهر الله فى الجسد و يقول عنها بولس الرسول "عظيم هو سرّ التقوى الله ظهر في الجسد" (1تى 3: 16). و هذه الآية فى معناها اليونانى عميق جداً جداً إذ يقول بولس الرسول: hos fanero'o en sarx. و كلمة fanreo'o تعنى إظهار و إعلان ما كان مخفياً أو غير معروفاً، و كلمة sarx تعنى المادة الرخوة التى تكسى العظام و التى يتم تغذيتها بالدماء - أى الجسد. و من هنا يكون تفسير كلمات الآية أن الله أظهر و أستعلن ما كان غير معروفاً و مخفياً بأخذه جسداً بشرياً، و شاركنا فى اللحم و الدم كقول بولس الرسول "فاذ قد تشارك الاولاد في اللحم والدم اشترك هو ايضا كذلك فيهما لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت اي ابليس" (عب 2: 14). و صار وحيد الجنس باتحاد اللاهوت مع الناسوت فى ذلك المعمل الإلهى فى رحم السيدة القديسة العذراء مريم فصارت هى والدة الاله.
+ أخذ الألم الذى لنا
يذكرنامعلمنا مار متى البشير بنبؤة إشعياء النبى القائل "هو اخذ اسقامنا وحمل امراضنا" (مت 8: 17). هكذا صار الله شريكاً لنا فى كل شئ حتى فى أوجاعنا و آلامنا. كان يجوع و يعطش و يتعب و يرتاح و ينام و يبكى. لقد عرفنا الله بتجسده، عرفنا أنه ليس الله تعالى فى السماء لا يشعر بالبشر ولا يتألم لألامهم، بل رأيناه يبكى أمام قبر لعازر، و رأيناه يتعب و يعرق فى بستان جسثمانى، و رأيناه يأكل مع العشارين و الخطاة و التلاميذ و الفريسيين، و رأيناه يطلب أن يشرب من المرأة السامرية. هو ليس الله تعالى فى ملكوته البعيد عن البشر، بل شاركنا فى كل شئ و شابهنا فى كل شئ. هو مثل الملك الذى خلع ثياب ملكه و ترك عرشه و نزل إلى عامة الشعب يعيش معهم، و يأكل من طعامهم، و يشرب من ماءهم، و يلبس ملابسهم، و ينام فى بيوتهم، و يعمل معهم و يتعب و يعرق و يجهد. لذلك يقول لنا معلمنا بولس الرسول "لانه في ما هو قد تألم مجربا يقدر ان يعين المجربين" (عب 2: 18).
+ أخذ الخطية التى لنا و هو بلا خطية
يقول عن هذا معلمنا مار بطرس الرسول "الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة لكي نموت عن الخطايا فنحيا للبر" (1بط 2: 24). لقد صار السيد المسيح بتسجده ذبيحة إثم و ذبيحة خطية تحمل خطايا الخطاه و تذبح فداءً عنهم. و لأنه بلا خطية فلم يكن للموت أى سلطان عليه، و لأنه غير محدود فقد كان موته لغفران ليس فقط خطية شخص واحد فى فترة محدودة، بل خطايا العالم كله منذ البدء و إلى المنتهى، كما يقول معلمنا مار يوحنا البشير "و هو كفارة لخطايانا. ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم ايضا" (1يو 2: 2).