و ما دمنا قد تكلمنا عن الموت، إذاً يجب علينا أن نتكلم عن المجئ الثانى. و هذه هى المرحلة التى تلى فترة الانتظار فى الفردوس للأبرار أو الجحيم للأشرار. و سوف نناقش فى هذا الجزء النقاط التالية:
1- حتمية المجئ الثانى:
==========
المجئ الثانى موضوع يشغل بال كثيرين و يتساءل الناس: "متى يكون مجئ الرب؟!". بل أن البعض بدأ يعين أزمنة معينة مثل 4/4/1984، و خريف 2001، و سنة 2016. و لجأ البعض لتفسير الرموز و الأرقام التى ذكرت فى سفر دانيال على أنها علامات و رموز مخفية قد تكشف لنا سر المجئ الثانى للرب. و محاولة معرفة متى يكون المجئ الثانى ليست نوع من الخطية لأنه حينما سأل التلاميذ رب المجد عن موعد المجئ الثانى لم يبخل عليهم بالاجابة، بل بالعكس كانت إجابته واضحة، و مستفيضة، و وافية. و لقد وبخ رب المجد الكتبة و الفريسيين لأنهم لم يفهموا و لم يعرفوا أن يميزوا الآزمنة حتى يعرفوا موعد مجئ المخلص قائلاً لهم: " يا مراؤون! تعرفون أن تميزوا وجه السماء. و أما علامة الأزمنة فلا تستطيعون؟!" ( مت 16 : 3 ).
و المجئ الثانى حتمى و لا مفر منه، فلا يوجد إمتحان بلا نتيجة. و لو تخيلنا أن الطلبة قد عرفوا إنه لا يوجد نتيجة للإمتحان فكيف يكون رد فعلهم؟! بالتأكيد لا مبالاة. فليمرحوا و يلعبوا و ليذهب الامتحان إلى الجحيم. و يكون الطالب الذى إستذكر و حبس نفسه فى بيته بعيداً عن كل صنوف اللهو قد أضاع وقته هباء. ليس هكذا عدل الله! فطالما نؤمن بعدل الله، يجب أن نؤمن بالمجئ الثانى.
فلو لم يحدث المجئ الثانى لانتفى عدل الله لأنه بذلك سيتساوى البار و الشرير، الظالم و المظلوم، القديس و الخاطئ، الغنى و لعازر، الشهداء و من قتلوهم، الخروف و الجداء. و لو يحدث المجئ الثانى فما كان له لزوم المجئ الأول، و كذلك قصة الفداء كلها تكون باطلة إذ لا لزوم لها طالما الجميع سيتساوى عند الله. و هذا يقودنا إلى نقطة أخرى و هى الفرق بين المجئ الأول و المجئ الثانى.
2- الفرق بين المجئ الأول و المجئ الثانى:
=================
1- المجئ الأول كان للفداء و الخلاص، و أما المجئ الثانى فهو للدينونة و القصاص.
2- فى المجئ الأول جاء السيد المسيح - له المجد - كإبن الإنسان مولوداً فى مزود بقر بوداعة و تواضع. أما فى المجئ الثانى سيأتى فى مجده على السحاب كإبن الله.
3- فى المجئ الأول جاء رب المجد ليكرز بقبول توبة الخطاة، أما فى المجئ الثانى سيأتى للحصاد و إنهاء فرص التوبة.
4- فى المجئ الأول عاش السيد المسيح فى الجسد مدة محدودة، أما فى المجئ الثانى سيأخذنا معه لنتمتع بالأبدية، و يلقى بالأشرار ليتعذبوا إلى الأبد أيضاً.
5- فى المجئ الأول نزل إلى الجحيم من قبل الصليب ليصعد بأرواح الأبرار و الصديقين من الجحيم إلى الفردوس. أما فى المجئ الثانى سيأتى السيد المسيح تحف به الملائكة ليأخذ الأرواح من الفردوس ليلبسهم أجساد نورانية ليصعدوا معه إلى الملكوت ليتنعموا، و يلقى بالخطاة و غير المؤمنين فى جهنم مع إبليس و ملائكته حيث نار لا تنطفئ و دود لا يموت.
6- فى المجئ الأول قدم المحبة و الغفران للجميع حتى للخطاة و الزناة. أما فى المجئ الثانى سيقدم المحبة للذين أحبوه و عملوا بوصاياه، بينما سيقدم البغضة للذين رفضوه.
و أخيراً أود أن أقول أن السعى وراء معرفة علامات الأزمنة و تخمين قرب المجئ الثانى هى كمن يجرى وراء سراب. و المجئ الثانى يتم بموت الانسان حيث ستنتهى حياته على الأرض و لن يكون له فرصة أخرى. فما عمل قد عمل، و إن كان قد قدم توبة فقد قبلت، و إن لم يكن فقد لصقت به خطيته للأبد. و يوم تنفصل روح الانسان عن جسده فلا شفاعة تنفعه لا من ملائكة ولا رئيس ملائكة و لا أبرار و لا شهداء و لا قديسين و لا السيدة العذراء أم النور الطاهرة مريم نفسها تقبل شفاعتها. فقد إنتهى الزمان و لم يعد سوى الدينونة.
"مبارك الله ابو ربنا يسوع المسيح الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية لرجاء حيّ بقيامة يسوع المسيح من الاموات" ( 1 بط 1 : 3 )