التوبة الصادقة عمادها الإرادة الصادقة
السبت 31 مارس 2012
للمتنيح الأنبا غريغوريوس
في هذا اليوم يتلي عادة ثالث فصول التوبة,لأن فترة الصوم الكبير المقصود منها أن تكون فترة تعبدية,وأن يمارس فيها جميع المؤمنين أعمال التوبة.
في هذا اليوم يتلي عادة ثالث فصول التوبة,لأن فترة الصوم الكبير المقصود منها أن تكون فترة تعبدية,وأن يمارس فيها جميع المؤمنين أعمال التوبة.
والتوبة نوعان:
1-التوبة الشاملة الكاملة:التي تشمل الحياة بأسرها,عندما يكون الإنسان بعيدا عن الله بعدا كاملا,وعندما يكون غارقا في الخطيئة وغاطسا فيها كليا.كمثل الابن الضال الذي ذكره المسيح له المجد,الذي ذهب إلي بلد بعيد,وهذا يشير إلي البعد الكامل عن يت الله السماوي.فهناك من هم ربما إلي الآن سائرون في غيهم أو خطاة غارقون في خطاياهم إلي التمام,وبعيدون بعدا تاما عن الله.
فرصة الصوم الكبير فرصة تنشيط وتقوية ووعظ وإثارة,لعل أولئك الفريق من الناس أن يتوب,راجعا إلي الله ويدرك كم هو ضال وتائه وشارد وعاق عن الآب السماوي,وأنه يلزمه لخلاص نفسه ولخلاص حياته الأبدية أن يعود إلي الله,وأن يترك من كل قلبه كل ميل وكل شهوة إلي الخطيئة,وأن يتعهد أمام الله أن يعود بتوبة نصوح,توبة كاملة شاملة وأن يعطي حياته لله كعبد وكخادم,وأن يطلق طريق الخطيئة طلاقا بائنا وأن يعيش بقية أيام حياته لله مستعدا للرحلة الأبدية,هذه هي التوبة الشاملة,التوبة الكاملة التي بها يتوب فيها الإنسان عن كل حياته الماضية ليبدأ طريقا جديدا.
2-التوبة اليومية:وهناك أيضا توبة أخري تلزم السائرين في طريق السماء وهي التوبة اليومية.فالذين يسيرون مع الله والذين هم يحسبون أنفسهم أنهم متدينون,وأنهم فعلا يصلون ويصومون ويتعبدون ويقرأون الكتاب المقدس والكتب الروحية,ويمارسون سر التوبة والاعتراف والتقدم إلي الأسرار المقدسة.
هؤلاء المؤمنون,هؤلاء الأتقياء الذين يخافون الله,أيضا تلزمهم توبة يوميةلأنه في أشياء كثيرة نعثر جميعناوالذي ينكر أنه يخطئ فهو كاذب وليس الحق فيه,إذن حتي السائرون في طريق السماء,حتي الأتقياء منا يحتاجون إلي توبة يومية بمعني المراجعة اليومية لحياتنا,وإدراكنا أننا أخطانا وانحرفنا عن جادة الصواب,وأننا في حاجة أن نستغفر الله عن هذه الأخطاء التي وقعنا فيها,سواء منهاما كان بإرادة وما كان منها بغير إرادة,ما كان منها بمعرفة وما كان منها بغير معرفة.
الاستعداد للتناول:
هذه هي الذبيحة الدائمة القائمة والشفاعة القائمة المستمرة كفارة المسيح له المجد التي نأخذها في سر القربان في سر التناول المقدس,والتي نحن نحتاجها دائما علي أن نكون مستعدين ومؤهلين بالتوبة والندامة والاعتراف علي خطايانا,ونحن إذ نعترف علي الكاهن نحن لا نعترف علي الكاهن كإنسان,إنما الاعتراف لله علي يد الكاهن,فالكاهن هنا بصفته ممثل السلطة إلهية,لا بصفته الشخصية ولكن بصفته الممثل للسلطة الإلهية.
فنحن في حاجة إلي التناول بتواتر,لا تأخروا التناول إلي يوم معين إنما أنت محتاج باستمرار إلي التناول,ولكن لابد أن تكون مستعدا ومتأهلا بأن تأخذ جسد المسيح ودمه لغفران الخطايا,لأن من يأكل ويشرب بدون استحقاق يكون مجرما إلي جسد الرب وإلي دمه.
ولذلك في ترتيب الكنيسة قبيل القداس,كان الشماس يقول بصوت عال ولازال هذا موجودا في الخولاجي:ها قد كشفت الأسرار,فمن كان مستحقا فليقترب,ومن لم يكن مستحقا فلبيتعد بعيدا لئلا يحترق بنار اللاهوتلذلك ينبغي أن نكون مستعدين بتوبة يومية حتي نتأهل من التناول من الأسرار المقدسة,لننال الغفران عن خطايانا الفعلية والخطايا اليومية.
امتحان حرية الإنسان:
فصل الإنجيل في الأحد الخامس من الصوم الكبير المقدس,والمأخوذ من الأصحاح الخامس من إنجيل معلمنا يوحنا,والذي يروي فيه الإنجيل قصة المخلع,المفلوج,المشلول شللا كليا,حتي إنه لم يكن قادرا علي أن يتحرك ليرمي نفسه في البركة متي تحرك الماء,ولذلك عندما اقترب منه المسيح له المجد قال له:أتريد أن تبرأ؟فأجاب:ليس لي إنسان يلقيني في البركة متي يتحرك الماء,هذا الرجل مريض بركة بيت حسدا,يرمز إلي الإنسان الخاطئ خطيئة تامة وأنه يحتاج إلي أن يشفي.
هذا الرجل يقول:أنا ليس لي إنسان يلقيني في البركة متي تحرك الماء,كيف هذا؟هل لا يوجد له أحد أبدا!!لا أب ولا أم ولا قريب ولا صديق,هذه علامة غير طيبة في هذا الرجل,لابد أن يكون هذا الإنسان شريرا جدا حتي أنه فقد كل أحد,ولا يمكن لأحد أن يفقد جميع الناس إلا إذا كان حقا إنسانا شريرا شرا كاملا,وهذا هو السبب لماذا هذا الرجل بالذات,عندما المسيح رآه قال له:ها أنت قد شفيت فلا تعد إلي الخطيئة لئلا يصيبك ماهو أسوألماذا لم يقل هذا للمشلول المدلي من السقف؟بل قال للرجل المدلي من السقف:اطمئن يا ابني مغفورة لك خطاياك.
لماذا قال له سيدنا:أتريد أن تبرأ؟والحالة ناطقة,لا تحتاج إلي كلام,أتريد أن تبرأ؟ما ضرورة هذا السؤال يارب؟! ليس عبثا يا أولادنا أن المسيح يسأل هذا السؤال,لابد أن هناك حكمة أكيد عندما السيد المسيح يسأل مثل هذا السؤال,ليس فقط بأن السيد المسيح يريد أن يبين له أنه لابد أن يطلب هو أولا,وهذا طبعا يؤكد أهمية الإرادة الإنسانية في كل شئ,وأيضا يؤكد الحرية وأن الإنسان هو حر فيما يتصل في الفضيلة,وأن الله لايقهر الإنسان ولا يغصبه إنما خلقه حرا,وكرامة الإنسان في حريته,فلا يفرض الله عليه شيئا,أتريد أن تبرأ,إذن هذه معناها أن المسيح يسأل حتي لايفرض عليه الشفاء من عنده,لكن هناك سببا آخر ويمكن أن يكون أعمق من هذا السبب الذي ذكرناه الآن,وهو امتحان حرية هذا الإنسان,والحق أن الرجل لايريد الشفاء في ذاته,إنما حتي لو رحب بالشفاء فهو ليس من أجل الشفاء لأن الشفاء له ثمن وهو غير مستعد أن يدفع الثمن,الثمن أنه لابد أن يتوب ويرجع وهو غير مستعد لهذا,هو يريد أن يعود جسده قوي لكي يقدر أن يمارس الخطيئة,لأن الرغبة موجودة والتعلق بالخطيئة موجود.
إذن عندما شفاه السيد المسيح لم يشفه من أجل إيمانه ولا من أجل تقواه ولا من أجل حسن إرادته,إنما شفاه تفضلا ليظهر نعمته ورحمته عليه لعله يسبيه إلي التوبة ولعله يدرك فضل الله عليه فيذوب قلبه حنينا للعودة إلي الله,شفاه كرما ولإعطائه فرصة كما يصنع الله معنا,في بعض الأحيان يكون الإنسان فينا خاطئا وكان ممكن أن تصدمه سيارة أو أتوبيس,وأحيانا كثيرة يكون في خطر ومع ذلك الله ينقذه في اللحظة الأخيرة,ليس لتقواه ولا لأنه يستحق.ولكن من رحمة الله يطيل أناته عليه,ويعطيه فرصة,ربما أيضا من أجل استجابة لصلوات آخرين من أجله,وهنا الشفاعة أن الله أحيانا يعطي رحمة وطول أناة استجابة لصلوات وشفاعات الآخرين.
كيفية الاعتراف:
عندما نعترف بخطايانا,نجد أن الواحد في الاعترف يشتكي الآخرين,وهذا ليس اعترافا,ممكن الواحد يشكتي الآخرين ويصبح الكاهن بمثابة القاضي لكن لابد أن يأتي بالطرف الآخر ليسمع منه,لكن في الاعتراف أنا لا أشكو إنسانا آخر,هذا الخطأ يقع فيه كثير من أولادنا في الاعتراف,يشكتي آخرين ويحكي قصصا معينة ليظهر نفسه أنه قديس ويحتمل,هذا ليس اعترافا ولا توبة,الاعتراف هو شكوي النفس من النفس.
هنا سيدنا له المجد,ولغير استحقاق من هذا الإنسان أعطاه الشفاء كفرصة حنان كما يصنع معنا تماما,لماذا يقرأ هذا الفصل؟من أجل أي إنسان منا إذا كان بمثابة هذا المفلوج,قواه الروحية مشلولة,ويقول أنا لا أعرف أن أصلي,وعندما أصلي أتثاءب وهناك فتور وملل في الحياة الروحية,ولا أطيق الصلاة,وفقد الشهية لها,وعندما الإنسان يفقد الشهية في الطعام يقولون هذه علامة علي أنه مريض,هنا شلل,مشلول وغير قادر أن يتحرك,غير قادر أن يرفع قلبه,غير قادر أن يرفع عقله لفوق,الأمور اللازمة في حياة العبادة غير قادر أن يصنعها,مشلول فلابد أن هناك علة,لابد أن هناك مرضا أصاب الحياة الروحية كلها,نريد أن نستيقظ ونتنبه.
فرصة الصوم الكبير فرصة اليقظة,فرصة العودة إلي الله وتجديد العهود مع الله,ومراجعة النفس ومحاسبتها محاسبة يومية.ماذا صنعت اليوم,ماهي تصرفاتي؟وفي هذه المراجعة أكون دقيقا لا أتملق نفسي,لا أحيل الذنب علي الآخرين,لا أدافع لنفسي,لا أخدعها,إنما أكون حازما وقويا ومدققا في حياتي,وأحكم علي نفسي وأدينها لأنه إن حكمنا علي أنفسنا لما حكم علينا.ثم بعد المراجعة اليومية,مراجعة شهرية من وقت لآخر,كل شهر أراجع نفسي وأنظر ماذا صنعت؟وبعد ذلك المراجعة السنوية عندما تنتهي السنة ونبدأ سنة جديدة تلزمنا هذه المراجعة.