دراسة سفر (كِتَابُ أَيُّوبَ )
تنقلع الأشجار من الأرض، وتتساقط أعمدة التليفونات وكأنها أعواد كبريت، وتنهار الجدران، وتغمر المياه الأرض، ولا تقف راسخة سوى الأساسات المتينة أمام عنف إعصار ثائر. ولكن هذه الأساسات يمكن أن تستخدم للبناء فوقها مرة أخرى بعد أن تهدأ العاصفة.
فالأساس في غاية الأهمية لأي بناء، ويجب أن يكون من العمق والصلابة بحيث يتحمل ضغوط المبنى الواقعة عليه. والحياة أشبه بالمباني. ويحدد نوع الأساس القدرة على الصمود في وجه الصعاب. فكثيراً ما تستخدم مواد رديئة، وعندما تتعرض للامتحان تنهار الحياة.
وسفر أيوب قصة أخاذة تنتقل بنا من الثراء إلي الفقر المدقع، ثم إلى الثراء مرة أخرى. فهو دراسة لاهوتية عن الألم وسيادة الله المطلقة، وصورة للإيمان الراسخ. لقد تعرض أيوب للامتحان، لكن حياته كانت مبنية على الله، فثبتت. وعندما تقرأ سفر أيوب، حلل حياتك وتأكد من أن الله هو أساس حياتك.
أيوب مزارع ناجح في أرض عوص، عنده الآلاف من الغنم والجمال وغيرها من المواشي، وعائلة كبيرة وعدد كبير من الخدم. وفجأة يمثل الشيطان، الخصيم، أمام الله مُدعياً أن أيوب إنما يتكل على الله لأنه غني وكل شيء يسير معه على خير ما يرام. وهكذا يبدأ امتحان إيمان أيوب.
ويُسمح للشيطان أن يقضي على أبناء أيوب وخدمه ومواشيه ورعاته وبيته، ولكن أيوب يظل متكلاً على الله. فيهاجم الشيطان أيوب في جسده، فيغيظه بقروح مؤلمة، وتقول له زوجته أن يجدف على الله ويموت (2: 9)، ولكن أيوب يعاني في صمت.
ويأتي ثلاثة من أصحاب أيوب : أليفاز وبلدد وصوفر، لزيارته ويجلسون في البداية يقاسمون أيوب أحزانه في صمت. ولكن عندما يشرعون في الكلام عن أسباب مآسي أيوب، يقولون له إن الخطية هي علة آلامه، فيجب عليه أن يعترف بخطاياه، ويرجع إلى الله. ولكن أيوب يتمسك ببراءته.
ولما لم يستطيعوا أن يقنعوا أيوب بخطيته، لزم الرجال الصمت (32: 1). وهنا يتدخل في الحوار صوت آخر، هو أليهو الشاب. ولكن أقواله كانت مشابهة لأقوال الثلاثة الكبار، فلم يهتم أحد منهم بالرد عليه.
أخيراً يتكلم الله من عاصفة قوية. وإذ يواجه أيوب بقوة الله وجلاله، يخر أيوب خاشعاً متواضعاً أمام الله، لا يستطيع الكلام. ويوبخ الله أصحاب أيوب. وتنتهي القصة باستعادة أيوب لصحته وسعادته وثروته.
ومن السهل أن نظن أن لدينا كل الإجابات، ولكن الواقع هو أن الله وحده هو الذي يعرف لماذا تحدث الأمور هكذا، وما علينا إلا الخضوع له كصاحب السلطان المطلق. وعندما تقرأ هذا السفر، تمثل بأيوب، واعزم على أن تتكل على الله بغض النظر عما يحدث.